الصحافة والصحة:

01. مقدمة في القضايا الصحية /

أصبحتِ المسائلُ الصِحية تحتلُ الصدارةَ على الصعيدِ العالمي أكثرُ من أيّ وقت مضى. من الاكتشافاتِ والإبداعاتِ الكبرى (مثلا العلاج الجنيني) إلى الأزماتِ الصِحيةِ الأكثرَ مأساوية (وبائَي إيبولا وكوفيد 19)، استطاع الصحافيون المختصون في الصِحة إثباتَ الدورِ الحاسمِ الذي يؤدونه. فهم يضطلعون بمهامِهم من أجلِ إعلامِ الناسِ بالمسائلِ المتعلقةِ بالوقايةِ من الأوبئة في أفريقيا ومن أجل تغطيةِ المسائلِ الصِحية في المناطقِ التي تشهدً نزاعاتٍ في الشرقِ الأوسط.

يشرحُ الصحافيون ويبسطون لعامةِ الناسِ عددًا كبيرًا من المواضيعِ المتعلقةِ بصِحةِ الفردِ أو بالصحةِ العالمية، ويؤدون في الوقتِ نفسِه دورًا اجتماعيًّا وصِحيًّا لدى السكانِ على الصعيدَيْن المحلي والدولي.

فالصحافيّ المختصْ في الصِحة هو، في الوقتِ نفسه، مُبسِّطٌ وشارحٌ للمفاهيم المعقّدة، وهو كذلك بيداغوجيٌّ / وجِهةٌ فاعلة في مجالِ التثقيفِ الشعبي. ويضطلعُ أيضاً بدورِ المُبلِّغِ عن المخالفات، كما هو الشأنُ مع (Hopewell Chin’ono) الذي كشفَ مؤخّرًا فضائحَ متعلقة بالفساد في إطارِ مكافحةِ جائحةِ كوفيد 19 في زمبابوي.

ويحرِصُ الصحافيُّ المختصُ في الصِحة على تقديمِ معلوماتٍ موثوقٍ بها وموضوعية بقدرِ الإمكانْ، وغيرْ خاضعةْ لأيِّ ضغوطٍ مالية أو إعلانية أو سياسيّة. وقد يكونُ هذا العبءُ ثقيلاً عليه لأنَّ الآثارَ التي تترتبُ على أيِّ خطأ يرتكبُه من شأنِها أن تكون وخيمةً على صِحّة متابعيه.

ومن الخصائصِ التي تميّزُ الصحافيَ المختصَ في الصِحة أنّه يؤديّ دورا هاما في تبسيطِ المفاهيمِ العلميةِ وشرحِها. ويعني ذلك أنّه يُوصِلُ لعامةِ الناسِ معلوماتٍ علمية وطِبية قد تكونُ على قدرٍ كبيرٍ من التعقيد.

وعليه، فيمكنُ وصفُه بناقِلٍ للأفكارْ وبحلقةِ الوصلِ بين الباحثين العلميين والأطباءِ وعامةِ الناس. لهذا الغرضْ، يجبُ أن يتسنى له الوصولَ إلى عددٍ كبيرٍ من المصادرٍ الموثوقٍ بها، وأن يفهمَ الأخبارَ العمليةْ وأن يلتمِسَ المعلوماتِ من خبراءَ جديرين بالثقة. ويجبُ كذلك أن يكونَ متمكِّنا من أدواتِ تبسيطِ وشرحِ المفاهيمِ المعقّدة لكي يفهمَ المواطنون العاديون، الذين لا يلمّون بالشؤونِ العلمية، المعلوماتِ التي يقدّمُها، ولكن بدون أيّ إفراطٍ في التبسيط.

وقد يكونُ هذا الدورُ صعبا لأنَّ الصحافيَ غالبا ما يكونُ مُلزمًا باحترامِ مدّةٍ زمنيةٍ قصيرة لا تتوافقُ مع الوقتِ الذي يستغرقُه البحثُ العلمي.

هذا الدورُ صعبٌ كذلك لأنَّ المواضيعَ التي يتناولُها تكونُ عادةً على قدرٍ كبيرٍ من التنوعْ وتندرجُ ضمنَ اختصاصاتٍ متعدّدةْ مثلَ علمِ وظائفِ الأعضاءْ، وعلمِ التشريح، والبيولوجيا، والصيدلة، وعلمِ النفس، وسائرِ الاختصاصاتِ الطبية (من علمِ الأورام إلى طِبِ النساءْ…)، والإحصائيات، والصِحة العامة.

ويجبُ أن يصبحَ مُلمًّا بهذهِ المواضيعِ المتعدّدةْ والمعقّدةْ في وقتٍ قياسي – دون أن يكون خبيرًا فيها.

ويجبُ أن يكونَ قادرًا على التطرقِ إليها بسهولةٍ وسلاسةْ، سواء عن طريقِ طرحِ الأسئلةْ الصائبةْ على الاختصاصيين الذين يختارُهم بعنايةٍ شديدة، وعن طريقِ نقلِ الأجوبةْ التي يقدّمونها له بأكبرَ قدرٍ من الدقةِ والصدقْ، آخذا في الاعتبارِ مؤهلاتِ جمهورِه ومستواه.

وثمةَ صعوبةُ أخرى تعترضُ الصحافي المختص في الصِحة: وهو أنّ موضوعَه يشملُ اختصاصاتٍ عديدة من العلومِ الإنسانية والاجتماعية. وبالفعل، فإنَّ الصحةَ والعلاجَ متربطان ارتباطًا وثيقًا بالمسائلِ الاقتصاديةِ والسياسية والاجتماهية والثقافية والأخلاقية والدينية.

وبالتالي، يستحيلُ عليه التطرّقُ إلى الصِحةِ الجنسية أو التناسلية في بلدٍ يتسمُ بثقافةٍ أبوية كلبنان على النحوِ نفسِه الذي يتطرقُ إليه في بلدٍ يتسمُ بثقافة أموميةٍ مثل كوريا.

وعليه، فإنّ الإلمامَ بالمسائلِ الصحية والعلمية قد لا يكون كافيًا.

ويسري هذا خاصةً على كلّ ما يتعلقُ بـ:

  • الأدوية، خاصةً وأنها تنطوي على تحدياتٍ اقتصادية وصناعية جمّة
  • الرعاية في المستشفيات وإجراءاتْ العلاج المتعلقة بتدابيرَ سياسية واقتصادية
  • صحة النساء التي تتضمّن ُ تقنياتِ التلقيحِ بالمساعدة، وسائل منعَ الحمل، الإجهاضَ المتعمد، ختانَ الإناث… وهي مسائل كثيراً ما ترتبط بالمجتمعٍ والثقافة والدين
  • التلقيح أو التمنيع الذي يثيرُ مسائلَ اجتماعية واقتصادية
  • الطب “التقليدي” الذي من الضروري فهمُه واستيعابُه في سياقٍ ثقافيّ محدّد – مثلا الحكومة القومية الهندية التي تروّج لعلاج طب ayurveda التقليدي الهندي

اليوم، وإذْ أصبحتِ الأزماتُ الصِحيةُ جُزءًا لا يتجزّأ من حياتِنا اليومية، أصبحَ الصحافيُ المختصُ في الصِحّة مُضطرًا إلى تغطيةِ تطورّاتٍ ومستجداتٍ طارئةْ وباتَ مُلزمًا بتقديمِ مقالاتِه في اليومِ نفسِه، في حين كان يعملُ في العادة على مواضيعْ لم تكنْ تتسمُ بطابِعٍ طارئ أو مستعجل.

ومن المرجّحِ جدَّا أن يبقى الصحافيَّ المختصَ في الصحة في صدارةِ الأنباءِ في الأشهرِ والسنواتِ المقبلة. وبالتالي، سيتعيّنُ عليه، وأكثر من أيِّ وقت مضى، إبقاءَ قدراتِه الفكرية والكتابية في أعلى مستوى ممكن لكي يظلّ قادرااً على القيام بدوره البيداغوجيّ على نحو فعّال.

تهدفُ هذه المجموعةُ من الفيديوهات إلى تزويدكم بالمعلوماتِ الأساسية التي ستسمحُ لكم بمعالجةِ شتى المواضيعِ الصِحية على أحسنِ وجه.

مشروع تنفذه قناة فرنسا الدولية CFI بالشراكة مع FRANCE MÉDIAS MONDE

Logos CFI et France Médias Monde