الصحافة والتحقق في الحقائق

08. بعض الأدوات لتدقيق الحقائق /

إن التأكد من الحقائق منهج يمكن أن يتخذ أشكالاَََ عديدة، ففي حين يركز بعض الصحفيين على البيانات الرقمية والبعض الآخر على الشائعات المتداولة بين المجموعات على “الواتساب”.

قبل الشروع في التحقيق، يجب امتلاك بعض المهارات التلقائية حتى نتأكد من أن المعلومات التي نريد التحقق منها خاطئة. دعنا نقوم بجولة أفق على هذه الخبرات التي ستجعل منك مدققًا جيدًا في الحقائق.

 إذا كانت المعلومات منشورة على أحد مواقع شبكة الانترنت، عليك دائما البحث عن المصدر. فالواقع أن العديد من المدونات أو المواقع التي تتظاهر بأنها مواقع إخبارية فعلية تشارك في نشر الأخبار المضللة.  

من ناحية أخرى، قد يقع الصحفي أحياناً في فخ المواقع الساخرة، مثل موقع المنشار في الجزائر. حتى تعثر سريعا على معلومات حول المصدر، ولدى أدنى شكّ، عليك أن الذهاب إلى زاوية “حول” أو “من نحن”. عادة ما تجد هذه الروابط في “تذييل” المواقع، أو في أسفل الصفحة الرئيسية. في مثال المنشار، الأمور تبدو واضحة جداً:

المنشار موقع إخباري مزيف تمامًا وغير جدّي.

ولكن سوف تضطر في بعض الأحيان إلى مواصلة بحثك عن طريق البحث في الإنترنت عن اسم رئيس التحرير مثلا، من أجل الحصول على رؤية أوضح لمهاراته ومواقفه.

إذا كان لديك أي شك في جدية إحدى الوسائل الإعلامية ، لا تتردد في البحث عما تقوله ويكيبيديا عنها إذ غالباً ما تكون هذه الموسوعة الحرة مصدرا جيدًا لمعرفة الجدل المتعلق بصحيفة ما. على سبيل المثال، نحن ندرك من السطر الأول من صفحة ويكيبيديا المخصصة لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية أنها وكالة أنباء إيرانية تخضع لسلطة وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وبالتالي فهي موالية للحكومة.

عندما يساورك الشك في صورة، يمكنك البدء كما سنرى، بالبحث عن الصورة بشكل معكوس على محركات البحث. هذا ما فعلته هذه الصحافية من وكالة الأنباء الفرنسية للتدقيق في صورة للرئيس السنغالي ماكي سال حيث كان برفقه مسؤولين يرتدون جميعاً الكمامات الوقائية. الصورة ظهرت إثر إغلان البلاد للتو ظهور أول حالة عدوى بالسارس CoV-2. وهطذا استطاعت الصحفية أن تظهر أن الصورة مركبة في الواقع من عدة صور. كما تشير في مقالها إلى أنها تنبهت لإجراء اتصالات هاتفية، وهي وسيلة ننساها أحياناً!

والواقع أنه إذا توافرت لديك المعارف والاتصالات بشكل وافٍَ، يمكنك عندها التحقق بسهولة من المعلومات دون قضاء ساعات علـى الإنترنت. وهنا، تمكنت الصحفية من التأكيد أن الصورة كانت التقطت قبل سنوات ومن دون أقنعة ! 

ما كان مصدر الصورة؟ المصور الرسمي للرئيس.

أحيانا وببساطة، تكفي عملية “نسخ ولصق” للتحقق بسرعة من المعلومات. لنأخذ على سبيل المثال هذه التصريحات المنسوبة إلى الفائز بجائزة نوبل للسلام، طبيب النساء الكونغولي دينيس موكويغي.

“من الواضح أن أفريقيا لا تملك الوسائل اللازمة للتصدي لهذه الآفة. على كل منا أن يقبل بتكييف عاداته، أن يتجنب السفر، أن يبقى في المنزل، وأن يعتمد تدابير التباعد الاجتماعي.  وإذا كان عليك أن تختار بين ترك المريض يموت أو منحه علاجا لا نملك بعد كل ضمانات فعاليته، ولكننا تحققنا من عدم إضراره على مدى فترة طويلة، أقول، أنه بين علّتين، عليك أن تختار الأقل شراً. “

يبدو الرجل وكأنه يروج للكلوروكين لعلاج مرضى Covid-19 ، لكن ليست هناك أية إشارة إلى مصدر كلامه : لا تاريخ ، ولا سياق.

لنتعامل مع الأمر بمنهجية : لا يحتوي موقع Medias241 على أي قسم تعريفي”من نحن” : بالتالي من المستحيل التحقق من ماهية وسيلة الإعلام هذه، كما لا توجد مادة بخصوصها في ويكيبيديا. مع ذلك ، من خلال النقر على صفحة الفيسبوك للموقع، نلاحظ أن له أتباعا كثر. الشبكة الاجتماعية لديها قسم “حول” (متاح من خلال النقر على السهم “زائد”).

ويقدم الموقع نفسه على أنه pureplayer غابوني ، وهو أول تلفزيون ويب محترف في الغابون”. من الصعب إذن التأكد من موثوقية المصدر. لكن من ناحية أخرى، توجد طريقة بسيطة لمعرفة ما إذا كانت اقتباسات دينيس موكويغي صحيحة : عملية نسخ ولصق

يكفي لذلك أن تنسخ الجملة الأولى في محرك بحث مثل Google، دون أن تنسى المزدوجين: فهي تُعلم الأداة بضرورة العثور على الاقتباس كاملا. النتيجة الأولى للبحث؟ مقال في صحيفة لوموند بتاريخ 28 مارس 2020، يحتوي على العبارات المنسوبة إلى طبيب الأمراض النسائية فيMedias241

“علينا أن نتحرك بأسرع ما يمكن إذا ما أردنا تفادي آلاف الضحايا”.

يبقى أنه كان ينبغي على الصحفي أن يذكر مصدر معلوماته، وأن يضع وصلة نحو المقالة الأصلية: كان ذلك ليوفر علينا هذا العمل!

مشروع تنفذه قناة فرنسا الدولية CFI بالشراكة مع FRANCE MÉDIAS MONDE

Logos CFI et France Médias Monde